أكد محللون أن تحول إيران نحو روسيا والصين في السنوات الأخيرة والوجود المتزايد لهما في الشرق الأوسط ينذر بتداعيات أمنية مكلفة في مختلف أنحاء المنطقة.
فباتت إيران تعتمد بشكل متزايد على الصين التي تعد أكبر شريك تجاري لها، لا سيما في مواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية والعزلة الدبلوماسية والتوترات الإقليمية، حسبما أفاد موقع إيران برايمر في 1 آب/أغسطس وهو موقع تابع لمعهد الولايات المتحدة للسلام.
وبلغ تأثير بيجين في المنطقة ذروته في آذار/مارس عندما توسطت في اتفاق تقارب مفاجئ بين السعودية وإيران.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران ناصر هاديان في حديثه لموقع إيران برايمر "تحاول الصين ترجمة قوتها الاقتصادية إلى قوة سياسية".
علاقة غير متوازنة مع الصين
وعلى مدى العقد الماضي، حقق وجود الصين في الشرق الأوسط نموا مطردا بعد الإعلان عن مبادرة الحزام والطريق الصينية عام 2013، غير أن العديد من "الشركاء" اكتشفوا أن الصداقة مع بيجين غير متوازنة.
فمن الديون الضخمة واتفاقيات القروض الغامضة إلى مشاريع البنية التحتية الفاشلة أو المتوقفة في مبادرة الحزام والطريق والمعدات العسكرية المشوبة، كانت تكلفة التعاون مع الصين باهظة.
وفي حين كان تركيز الصين الرئيس منصب على إبرام صفقات للاستثمار الاقتصادي ترتبط بمبادرة الحزام والطريق في البلدان التي تتمتع بموقع استراتيجي وخاصة مشاريع البنية التحتية والاتصالات الهادفة إلى تعزيز التجارة، ذكر مراقبون أن دوافع بيجين مزدوجة الغرض.
وأشاروا إلى أن استراتيجية "عقد اللؤلؤ" التي تنتهجها بيجين قائمة على ربط البر الرئيس للصين بالقرن الإفريقي، وذلك عبر شبكة من المنشآت العسكرية والتجارية.
وافتتحت الصين أول قاعدة عسكرية خارجية لها في عام 2017 في جيبوتي بهدف التسهيل المزعوم للعمليات البحرية حول المحيط الهندي وشرق إفريقيا. واستخدمت بيجين كتبرير لذلك التهديد الذي تشكله القرصنة في خليج عدن ورغبتها في تأمين الممرات البحرية الدولية الحيوية.
واعتمدت السلطات في بيجين التبرير نفسه لإنشاء قاعدة عسكرية في غرب إفريقيا أيضا.
وعندما وردت أنباء أواخر العام الماضي عن قيام الصين سرا ببناء قاعدة عسكرية في الإمارات، دقت أجراس الإنذار في مختلف أنحاء المنطقة وخارجها.
تكاليف خفية
وفي السنوات الأخيرة، قامت الصين ببناء موانئ تجارية في باكستان وإيران وسريلانكا وغيرها من المواقع الرئيسية التي يمكن أن تستخدمها قواتها البحرية التي تنمو بسرعة.
وحاولت بيجين عبر مبادرة الحزام والطريق أيضا تسويق معدات عسكرية متدنية الجودة لأهداف عدة.
وأكد تحليل أجرته مؤسسة راند في 8 حزيران/يونيو أن "الصين تجذب العملاء لمعداتها العسكرية نظرا لأسعارها المخفضة وعرضها للتمويل، ولكن هناك تكاليف خفية لا سيما عند حدوث أعطال في العتاد".
وجاء في التقرير أن بعض المشاكل تشمل عدم توافق تكنولوجيا الدول مع المعدات العسكرية الصينية ونقص الأفراد ذوي الخبرة وغياب التدريب لحل المشكلات وصعوبة الحصول على قطع الغيار.
يُذكر أن باكستان على سبيل المثال هي أكبر مستورد للمعدات العسكرية الصينية والمقاولين الأمنيين الصينيين الخاصين ويتمركز العديد منهم حول أجزاء رئيسة من الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني الذي يعد المكون الباكستاني من مبادرة الحزام والطريق.
ولكن وبحسب ما قاله التقرير، "أعربت [باكستان] عن عدم رضاها عن الفرقاطات الصينية الصنع من طراز إف-22بي لأسباب منها المشاكل الفنية وانحلال المحركات وضعف الأداء العام".
وأضافت مؤسسة راند "وجدت باكستان أيضا أن جهاز التصوير الموجود على متن نظام الصواريخ إف إم90 (إن) مزود بنظام استشعار للأشعة تحت الحمراء (إي آر17) ورادارات إس آر-60 معطوبة".
ونتيجة لذلك، لم يتمكن النظام الصاروخي من الوصول إلى أهدافه وتوجب التخلص كليا من أجهزة الاستشعار.
أما بالنسبة للممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني، فيعتبر العديد من الباكستانيين مشروع البنية التحتية الذي أنشئ منذ عقد من الزمن على أنه أضر بلادهم وأفاد الصين.
وتعم موجة من الاستياء مجتمع إقليم بلوشستان الذي هو أفقر أقاليم باكستان على الرغم من وفرة موارده الطبيعية، ذلك أن المشروع الصيني يقدم فوائد أقل من تلك التي وعد بها في وقت ينهب فيه الموارد المحلية.
واستغلت الجماعات المسلحة المحلية الانطباع السائد بأن الاستثمار الصيني في إطار الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني لم يفد السكان المحليين، فهاجمت في السنوات الأخيرة مشاريع البنية التحتية والعمال الصينيين في باكستان مرات عدة.
سمعة سيئة لجهة الجودة
وفي هذه الأثناء، يبدو أن مبيعات المعدات العسكرية الصينية في إفريقيا "قائمة على إمكانية تحقيق الأرباح ومحاولة انتزاع حصة سوقية من روسيا"، وفقا لمؤسسة راند.
وأضافت المؤسسة "إذا كانت دولة ما تشعر بالقلق من أن سجلاتها في مجال حقوق الإنسان أو مصداقيتها المالية أو استقرار النظام فيها قد يضر بأهليتها لشراء معدات عسكرية من الموردين الغربيين، فإن الصين تظل خيارا دائما".
وإن العملاء الرئيسيون للصين هم البلدان النامية ويتركز أكبر عملائها في سوق الأسلحة واستخدام الشركات الأمنية الخاصة في جنوب آسيا وإفريقيا، حسبما جاء في تقرير راند الذي يغطي الأعوام المتراوحة بين 2018 و2021. ولديها أيضا عملاء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى.
وذكر التقرير أن "القوة الناعمة وبناء الصورة هما المحفزان الرئيسيان للصين في هذه المناطق، وهي تؤسس لعلاقاتها فيها معتمدة الطريقة نفسها التي تنتهجها في مشاريع البنية التحتية للحزام والطريق".
ومع ذلك، يبدو أن "سمعة الصين السيئة لجهة الجودة" تضر بالمبيعات.
وأصدر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام في آذار/مارس الماضي بيانات تظهر انخفاضا بنسبة 23 في المائة في صادرات الصين من الأسلحة بين فترتي الأربع سنوات المتراوحة بين 2013 و2017 و2018 و2022.
خيار محفوف بالمخاطر
وتعتمد إيران أيضا على روسيا وقد وسعت تعاونها العسكري مع موسكو بشكل ملحوظ منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022، حسبما أفاد معهد الشرق الأوسط في 1 حزيران/يونيو.
وذكر التقرير أن أحد أسباب رغبة طهران في توطيد تعاونها مع روسيا هو "الاعتماد على المساعدة السياسية والاستخباراتية المحتملة التي تقدمها موسكو للمرشد الأعلى الثالث لإيران خلال الفترة الانتقالية".
ولكن يستجلب الاعتماد على روسيا مخاطر مختلفة نظرا لعزلتها الدولية التي أعقبت حربها ضد أوكرانيا حيث اتهمت القوات الروسية بارتكاب جرائم حرب، ما أدى إلى فرض عقوبات صارمة على الكرملين وحلفائه.
وأثبتت روسيا أيضا أنها شريك غير موثوق به بالنسبة لإيران. فعلى الرغم من الصفقة المرتقبة التي روج لها بكثافة والتي أبرمها النظام الإيراني مع موسكو في وقت سابق من العام الجاري، لن تقوم روسيا بتسليم طائرات سوخوي 35 (سو 35) لإيران في نهاية المطاف، حسبما ذكرت وسائل الإعلام الإيرانية في تموز/يوليو.
وتعد سوريا واليمن مثالا رئيسا لما يمكن أن يجلبه الولاء لإيران أو روسيا إلى أي بلد. فقد عاش البلدان في حالة اضطراب دائم طوال الجزء الأكبر من العقد الماضي.
ومنذ العام 2014، يشهد اليمن حيث تدعم إيران الحوثيين، حربا أهلية طال أمدها.
وفي الوقت نفسه، تستمر الحرب الأهلية السورية منذ عام 2011. وتدخلت روسيا لصالح الرئيس السوري بشار الأسد في أيلول/سبتمبر 2015، واتهمت القوات الروسية في هذا الصراع أيضا بارتكاب جرائم حرب واستهداف المدنيين عمدا.
أما إيران، فلديها طموحاتها الخاصة في سوريا التي تعتبرها ممرا رئيسا لوجودها في الشرق. وقال محللون إن إيران وروسيا تخوضان سباقا ساخنا للسيطرة على سوريا.
وقال تقرير معهد الشرق الأوسط "من خلال التحالف مع روسيا والصين في المجالين الأمني والتجاري، تشعر إيران أنها حصلت على بوليصة تأمين ضد أي قرارات سلبية محتملة صادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة".
ولكن مع تزايد التدقيق في التعاملات العسكرية والمالية لروسيا والصين في المنطقة، بات الرهان على موسكو أو بيجين أو طهران يعد أمرا محفوفا بالمخاطر.