أظهرت مقاتلات رافال الفرنسية خلال الشهر الجاري قدرات فرنسا على استعراض القوة من خلال رحلة بلغت مسافتها 4000 كيلومتر (2159 ميلا بحريا) من المحيط الهندي إلى سنغافورة.
وأثناء تنفيذها مناورات مشتركة مع البحرية الهندية على مدى 5 أيام من 16 إلى 20 كانون الثاني/يناير، أرسلت مجموعة حاملة الطائرات الهجومية شارل ديغول في 17 كانون الثاني/يناير 3 مقاتلات رافال إلى قاعدة بايا ليبار الجوية في سنغافورة.
وتمت مرافقة ودعم مقاتلات رافال من قبل ناقلة وقود متعددة المهام من طراز إيرباص تابعة لفرنسا، وذلك في إطار مناورة راستابان المشتركة مع القوات الجوية الفرنسية لاستعراض القوة.
وأثبتت ناقلة إيرباص متعددة المهام أنها ناقلة من الجيل الجديد ذات قدرة قتالية فعلية وتستطيع تنفيذ عمليات التزويد بالوقود جوا ونقل الوقود والبضائع والأفراد.
ومن جانبها، تعتبر مقاتلة رافال طائرة مقاتلة نفاثة قادرة على العمل من على حاملات الطائرات والقواعد الساحلية.
وتم تصميمها لتنفيذ مجموعة واسعة من المهام القتالية، بينها التفوق الجوي والضربات العميقة داخل أراضي العدو والاستطلاع والعمل المضاد للسفن. وقد أثبتت قدرتها على القتال جنبا إلى جنب مع الحلفاء الذين يتعاونون ويتواصلون في الوقت الفعلي، وفقا للشركة المصنعة داسو للطيران.
وتصف مجلة أفييشن ويكلي الرحلة إلى سنغافورة بأنها أطول استعراض للقوة تنفذه رافال حتى الآن.
استعراض للقوة
ومنذ أواخر العام الماضي، أثبتت مجموعة حاملة الطائرات الهجومية شارل ديغول قدرة البحرية الفرنسية على تنفيذ مهام معقدة مع جيوش الحلفاء على بعد آلاف الأميال من البر الرئيس لفرنسا.
وتتمركز مجموعة حاملة الطائرات الهجومية شارل ديغول حاليا في المحيط الهندي بعد أكثر من شهرين من تنفيذها عمليات في البحر الأبيض المتوسط والبحر العربي في إطار مهمة أنتاريس التي شارك فيها 3000 عنصر من الجنود الفرنسيين وجنود الشركاء المتحالفين معها.
ووفقا لبيان صادر عن البحرية الهندية، تضمنت المناورات البحرية الـ 21 بين الهند وفرنسا والتي يطلق عليها اسم فارونا، "مناورات دفاع جوي متقدمة ومناورات تكتيكية وإطلاق النار من السطح والتزويد المستمر وعمليات بحرية أخرى".
وقبل التوجه إلى المحيط الهندي، كانت مجموعة شارل ديغول تقدم تقاريرها من شرقي البحر الأبيض المتوسط، وشاركت في عمليات محاكاة قتالية كجزء من عملية العزم الصلب وهي مهمة التحالف الدولي لإلحاق الهزيمة بتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وخلال هذه المناورات، تم تشكيل فريق مجموعة حاملة الطائرات الهجومية شارل ديغول ليشمل العديد من السفن البحرية الأميركية والحليفة، بينها مدمرة يو إس إس روزفلت المجهزة ببعض أسلحة البحرية الأميركية الأكثر تقدما والتي تسمح للبحرية بضرب أهداف تقع في عمق منطقة العدو.
وتضم مجموعة حاملة الطائرات الهجومية شارل ديغول، حاملة الطائرات شارل ديغول ومدمرتي فوربين وبروفانس وسفينة التزويد مارن، حسبما أفاد المعهد البحري للولايات المتحدة.
وتجلب الفرقاطات من فئة فريم قدرات مضادة للغواصات اكتسبت جوائز على مدى سنوات للمجموعة الضاربة، من بين قدرات أخرى.
وخلال مرحلة الانتشار في البحر الأبيض المتوسط، ضمت مجموعة حاملة الطائرات الضاربة شارل ديغول مدمرة البحرية الأميركية أرلي بيرك والفرقاطة البحرية الإيطالية فيرجينيو فاسان والفرقاطة البحرية اليونانية أدرياس.
ويشكل الوجود القوي لفرنسا في شرقي البحر الأبيض المتوسط جزءا من جهودها لاستعراض القوة في الفترة الممتدة بين 2024 و2030، كما أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون في خطاب ألقاه في مدينة تولون الفرنسية في تشرين الثاني/نوفمبر.
وقدم ماكرون في خطابه المراجعة الاستراتيجية الجديدة لفرنسا والتي سينظر فيها البرلمان عام 2023، وفقا لموقع بريكينغ ديفنس الإخباري.
وقال الرئيس الفرنسي إن "هذه المرحلة ليست مرحلة مناخ هادئ بل توازي البحار العاصفة"، في إشارة إلى الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتشير المراجعة إلى 10 أهداف استراتيجية تتطرق بضع مرات إلى التعاون مثل ذلك الذي شوهد في البحر المتوسط.
وتتضمن هذه الأهداف إدراك الحاجة إلى شراكة استراتيجية "أساسية... وطموحة وواضحة وبراغماتية" مع الولايات المتحدة وتنمية العلاقات مع وفي "الدول الأفريقية والخليج العربي والبحر المتوسط والبحر الأحمر ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ"، إضافة إلى الحفاظ على "حرية العمل والقدرة على تنفيذ العمليات العسكرية"، من بين أهداف أخرى.
مخاوف من الصين
وتشير المناورات الجارية في جزء منها إلى المخاوف المتزايدة من الصين.
يذكر أن الصين تطالب بتقريبا كل بحر الصين الجنوبي الذي تمر عبره حركة تجارية بتريليونات الدولارات سنويا، مع وجود مطالبات منافسة من بروناي وماليزيا والفلبين وتايوان وفيتنام.
وتدفع بيجين باتجاه مبادرة بنية تحتية ضخمة لربط البر الرئيسي الصيني بالقرن الإفريقي عبر شبكة من المنشآت العسكرية والتجارية.
وضمن استراتيجية "عقد اللؤلؤ" التي تتبناها، تمر الخطوط البحرية للصين عبر عدة موانئ رئيسية من جزر المالديف إلى بنغلاديش وسريلانكا وباكستان وإيران والصومال.
وتسير هذه الخطوط عبر عدة مضايق، بما في ذلك مضيق باب المندب (بين اليمن في شبه جزيرة العرب وجيبوتي وإريتريا في القرن الأفريقي) ومضيق ملقا (وهو قناة الشحن الرئيسية بين المحيطين الهندي والهادئ) ومضيق هرمز (الذي يفصل إيران عن عُمان والإمارات) ومضيق لومبوك (بين جزر بالي وإندونيسيا).
هذا وتتواصل مبادرة البنية التحتية العالمية لبيجين والتي تعرف باسم مبادرة الحزام والطريق أو حزام واحد طريق واحد، في المناطق الداخلية من تلك الموانئ البحرية الهامة وتصل إلى أجزاء أخرى من منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفريقيا.
ولكن يحذر نقاد من أن مشاريع الصين التي لها طبيعة تجارية ظاهريا تخدم غرضا مزدوجا، حيث أنها تسمح لجيش الصين الذي يتنامى بسرعة بتوسيع نطاق عملياته.
ويعطي عقد اللؤلؤ لبيجين كذلك ميزة وورقة ضغط في حال اندلاع صراع شامل بشأن تايوان.