أحبط الجيش الأميركي يوم الأربعاء، 5 تموز/يوليو، محاولتين نفذتهما البحرية الإيرانية لاحتجاز ناقلتي نفط تجاريتين في المياه الدولية قبالة عُمان، وذلك في حادثة تسلط الضوء على سلوك النظام الذي يزداد عدائية في المنطقة.
وتتناقض مثل هذه الأنشطة مع مزاعم طهران التي تقول إنها تسعى للسلام والأمن في المنطقة، وهي في الواقع محاولات سافرة من قبل إيران لزعزعة سلامة وأمن كل السفن التجارية في مضيق هرمز، حسبما ذكر مسؤولون أميركيون.
وذكرت القيادة الوسطى للقوات البحرية الأميركية في إصدار صحافي أن سفينة بحرية إيرانية قامت يوم الأربعاء عند الساعة الواحدة صباحا تقريبا بالتوقيت المحلي بالاقتراب من السفينة تي آر إف موس التي تحمل علم جزر مارشال في المياه الدولية بخليج عُمان.
وقالت القيادة إن الإيرانيين سعوا لاحتجاز السفينة، إلا أنهم "غادروا الموقع عند وصول مدمرة الصواريخ الموجهة يو إس إس ماك فول التابعة للبحرية الأميركية".
ونشرت البحرية الأميركية أيضا طائرات مراقبة، بما في ذلك طائرة إم كيو-9 ريبر وطائرة الدوريات البحرية بي-8 بوسيدون.
وبعد نحو 3 ساعات، تلقت البحرية الأميركية نداء استغاثة من ناقلة النفط ريتشموند فوياجر التي تحمل علم جزر الباهاما والتي كانت موجودة على بعد أكثر من 32 كيلومترا قبالة ساحل مسقط، عابرة المياه الدولية باتجاه بحر العرب.
وأشارت القيادة الوسطى للقوات البحرية الأميركية إلى أن "سفينة بحرية إيرانية أخرى كانت قد اقتربت أيضا من الناقلة ريتشموند فوياجر بميل واحد [1.6 كيلومتر]، مطالبة الناقلة التجارية بالتوقف".
وأضافت أن المدمرة يو إس إس ماك فول توجهت نحو الناقلة بأقصى سرعة، مع مواصلة الناقلة التجارية مسارها.
وقبل وصول المدمرة، "أطلق الطاقم الإيراني رشقات متعددة وطويلة من أسلحة صغيرة وأخرى تابعة له".
ولم تسجل أية إصابات أو أضرار جسيمة في ناقلة النفط، ولكن طالت عدة طلقات نارية هيكل السفينة بالقرب من المساحة المخصصة للطاقم.
وفرت السفينة الإيرانية فور وصول المدمرة ماك فول.
شريك غير موثوق
وبعد الإصدار الصحافي الصادر عن القيادة الوسطى للقوات البحرية الأميركية يوم الأربعاء، نفت إيران تقرير الولايات المتحدة بشأن الحادثة.
ولكن هيئة الموانئ والملاحة البحرية الإيرانية أصدرت بيانا يوم الخميس، قالت فيه إن "القوات البحرية الإيرانية كانت تلاحق واحدة من الناقلتين بموجب أمر قضائي".
وذكر البيان أن "ريتشموند فوياجر اصطدمت بسفينة إيرانية ولكن واصلت طريقها متجاهلة القوانين الدولية"، من دون توفير أية أدلة على هذا الادعاء.
وكان المسؤولون الإيرانيون، الذين يتطلعون لكسب حلفاء لهم في ظل العزلة الدولية المتزايدة لإيران، قد اتخذوا خطوات في مطلع العام الجاري لوضع حد لخلاف دبلوماسي وإعادة العلاقات مع السعودية.
وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان في 17 حزيران/يونيو إن المملكة تريد تعزيز الأمن البحري في منطقة الخليج في إطار تقربها من إيران.
وبدوره، قال وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان في مؤتمر صحافي مشترك متلفز عقد في طهران إن الأمن يعد ملفا أساسيا لدول المنطقة.
وتأمل إيران أيضا إدخال السعودية ودول أخرى في تحالف بحري بالمحيط الهندي، حسبما ذكرت وسائل إعلام إيرانية موالية للنظام الشهر الماضي.
وذكرت وكالة الأنباء الرسمية في إيران تسنيم أن كل من السعودية والإمارات وقطر والبحرين والعراق وباكستان والهند أعربت عن اهتمامها.
ولكن أنشطة إيران في مضيق هرمز الذي يقع عند مدخل الخليج ويمر عبره خُمس صادرات النفط في العالم تثير شكوك بشأن مصداقية النظام في ضمان أمن المنطقة.
تاريخ من المضايقات
وعقب ارتفاع في عدد عمليات احتجاز السفن التجارية الإيرانية، عزز الجيش الأميركي في أيار/مايو حركة تناوب السفن والطائرات التي تنفذ دوريات في مضيق هرمز.
وذكر الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية ومقره البحرين في بيان أنه يعمل مع الحلفاء والشركاء من أجل حماية نقطة العبور الحيوية إلى الخليج.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي للولايات المتحدة جون كيربي في 12 أيار/مايو "شهدنا أنشطة إيرانية متكررة من تهديدات ومصادرة أسلحة وهجمات على سفن تجارية تمارس حقوقها وحريتها المشروعة بالملاحة في المياه الدولية والممرات المائية الاستراتيجية في المنطقة".
وتابع "لن تسمح الولايات المتحدة لقوى أجنبية أو إقليمية بتهديد حرية الملاحة عبر الممرات المائية في الشرق الأوسط، ومن بينها مضيق هرمز".
وفي آخر جولة من محاولات إلحاق الأذى والضرر، أعلن قائد بحرية الحرس الثوري علي رضا تانغسيري إنه على "جميع السفن التي تمر عبر مضيق هرمز أن تعرّف عن نفسها باللغة الفارسية"، حسبما أوردت وسائل إعلام إيرانية يوم 23 حزيران/يونيو.
وسخر خبراء من تصريحاته، واصفين إياها بأنها "مطلب شائن".
وأوضح خبير بحري إيراني تحدث إلى المشارق شريطة عدم الكشف عن هويته، "سيشكل ذلك انتهاكا تاما لقواعد المنظمة البحرية الدولية. ولن يكون قابلا للتطبيق لهذا السبب تحديدا".
وعام 2019، احتجزت البحرية التابعة للحرس الثوري ناقلة النفط التي تحمل العلم البريطاني ستينا إمبيرو في مضيق هرمز بحجة أنها اصطدمت بقارب صيد وأفرجت عنها بعد شهرين من ذلك.
كذلك في عام 2021، أفرجت إيران عن ناقلة نفط من كوريا الجنوبية بعد احتجازها على مدى أشهر عدة وسط خلاف على مبلغ بمليارات الدولارات كانت سول قد صادرته.
وفي أيار/مايو 2022، احتجزت إيران ناقلتي نفط يونانيتين بعد أن احتجزت ناقلة نفط تحمل العلم الروسي وكان على متنها نفط خام قبل شهر بالقرب من أثينا. وأفرج عن السفينتين في تشرين الثاني/نوفمبر.
كذلك، قام أسطول من المراكب عالية السرعة التي تعود لبحرية الحرس الثوري خلال العام الجاري بمحاصرة واحتجاز السفينة نيوفي التي تحمل علم بنما وهي مملوكة لليونان أثناء توجهها من دبي إلى الفجيرة في الإمارات.
وجاءت عملية احتجاز السفينة في مضيق هرمز بعد مرور 6 أيام على حادثة مشابهة سجلت في مياه الخليج، حيث هبطت قوات خاصة تابعة للبحرية الإيرانية من مروحية على سطح ناقلة النفط أدفنتدج سويت التي تحمل علم جزر مارشال وكانت متجهة إلى الولايات المتحدة.
وأعلنت وسائل إعلام إيرانية في 12 أيار/مايو أن إيران احتجزت ناقلة ثالثة، هي السفينة بيوريتي التي تحمل علم بنما.
وفي هذا الإطار، قال الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية إن "أنشطة إيران تتعارض مع القانون الدولي وتعطل أمن واستقرار المنطقة".
وفي 4 حزيران/يونيو، استجابت سفن أميركية وبريطانية بدعم من طائرات مخصصة للدوريات، لنداء استغاثة صدر عن سفينة تجارية كانت تعبر مضيق هرمز وتعرضت لمضايقات من قبل القوارب الهجومية السريعة التابعة لبحرية الحرس الثوري، حسبما ذكرت مجموعة الأزمات الدولية.
وقالت المجموعة إن تقارير إعلامية أشارت بعد 10 أيام من ذلك إلى أن إيران "اختبرت مسيرة انتحارية على سفينة تجريبية في الخليج وأطلقت صاروخا آخر أو مسيرة أخرى دون أن تحذر السفن التي كانت موجودة في المنطقة".
وبحسب مسؤول أميركي لم يكشف عن اسم، كانت إيران "فعليا تتمرس على استهداف السفن التجارية. هذا السبب المنطقي الوحيد للقيام بذلك في خليج عُمان".
وقالت القيادة المركزية الأميركية عقب الحادثة، "قامت إيران منذ العام 2021 بمضايقة أو مهاجمة أو احتجاز نحو 20 سفينة تجارية تحمل أعلاما دولية، ما يشكل تهديدا واضحا للأمن البحري الإقليمي والاقتصاد العالمي".